دراسات
إسلامية
المستشرقون
وموقفهم من
أخلاقيات
الحرب في السيرة
النبوية
بقلم:
الأستاذ
أشرف عباس
القاسمي(*)
المستشرقون: هم مجموعةٌ من علماء الغرب الذين اعتنوا بدراسةِ الإسلام واللغة العربية، ولغات الشرق، وأديانه، وآدابه، والاستشراق اتجاهٌ فكريٌ يستهدف شخصية النبي –صلى الله عليه وسلم- الفذة وتعاليمه السمحة التي جاء بها. ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: يراد بالاستشراق اليوم دراسة الغربيين لتاريخ الشرق، وأممه، ولغاته، وآدابه، وعلومه، وعاداته، ومعتقداته، وأساطيره؛ ولكنه في العصور الوسيطة كان يقصدُ به دراسة العربية لصلتها بالدين؛ ودراسة العربية لعلاقتها بالعلم، إذ بينما كان الشرق من أدناه إلى أقصاه مغمورًا بما تشعه منائر بغداد والقاهرة من أضواء المدنية والعلم، كان الغرب من بحره إلى محيطه غارقا في غياهب من الجهل الكثيف والبربرية الجموح(1).
لاشك
أن عددًا من
المستشرقين
بذلوا جهودهم
المضنية في
دراسة العلوم
الإسلامية،
وبفضل جهودهم
برز كثير من
نوادر العلوم
والمعارف
التي ما رأت
الشمس منذ
قرون إلى
النشر
والإذاعة، وسهلت
الاستفادة من
مصادر علمية
عربية أدبية؛ ولكن
معظم
المستشرقين
أعمالهم لم
تأت لتنفع العالم
وأمة
الإسلام؛
إنما تعكس
أعمالهم مدى
حقدهم على
العلوم
الإسلامية،
وتجدهم أكثر
إسراعا إلى
طلب مواضع
الضعف في
الشريعة
الإسلامية،
ورموا
الإسلام بتهم
ليست لها صلةٌ
بالحقيقة؛
وقد بذلوا
قصارى جهودهم
في إقناع
العالم
بأسلوب علمي
بأن الإسلام
لم ينتشر في
العالم بفضل
تعاليمه
الحسنة
ومبادئه
السامية؛
وإنما تم
انتشاره بقوة
السيف وحده.
ونذكر فيما
يلي آراء بعض
المستشرقين
المتعصبين؛
علمًا بأن نقل
الكفر لا
يُعتبر كفرا،
لنكون دائما
على حذر ويقظة
من مكائدهم
ودسائسهم
الكامنة في
إنتاجاتهم؛
وبذلك يتمهد
الطريق إلى
يقظة العالم
الإسلامي
واطلاعه على
المخططات
الخبيثة التي توضع
لتشويه سمعة
الإسلام
والمسلمين.
يقول
«المونيسنيور
كولي» في
كتابه (البحث
عن الدين
الحق): «برز في
الشرق عدوٌ
جديد هو الإسلام
الذي أُسس على
القوة وقام
على أشد أنواع
التعصب، ولقد
وضع محمد
السيفَ في
أيدي الذين تبعوه،
وتساهل في
أقدس قوانين
الأخلاق؛ ثم
سمح لأتباعه
بالفجور
والسلب، ووعد
الذين يهلكون
في القتال
بالاستمتاع
الدائم
بالملذات في
الجنة؛ وبعد
قليلٍ أصبحت
آسيا الصغرى
وإفريقيا وأسبانية
فريسةً له؛
حتى هدّد
إيطاليا، وعمَّ
الاجتياحُ
نصفَ فرنسا،
ولقد أصيبت
المدينة؛ ولكن
انظر! هاهي
النصرانية
تضع بسيف شارل
مارتل سدًا في
وجه سير
الإسلام
المنتصر عند
بواتية (752م) ثم
تعمل الحروب
الصليبية في
مدى قرنين
تقريبًا (1099-1254م)
في سبيل
الدين؛ فتدجج
أوربا
بالسلاح وتنجي
النصرانية؛
وهكذا تقهقرت
قوة الهلال أمام
رأية الصليب
وانتصر الإنجيل
على القرآن
وعلى ما فيه
من قوانين
الأخلاق الساذجة».
ويقول
«المسيو
كيمون» في
كتابه
(ميثولوجيا الإسلام):
«إن الديانة
المحمدية
جُذام فشا بين
الناس وأخذ
يفتك بهم
فتكاً
ذريعًا؛ بل هو
مرض مروع وشلل
عام وجنون
ذهني يبعث
الإنسان على الخمول
والكسل، ولا
يوقظه إلا ليسفك
الدماء ويدمن
معاقرة
الخمور ويجمح
في القبائح،
وما قبر محمد
في مكة إلا
عمود كهربائي
يبث الجنون في
رؤوس
المسلمين
ويلجئهم إلى الإتيان
بمظاهر الصرع
(الهستريا)؛
والذهول العقلي؛
وتكرار لفظ
(الله الله)
إلى ما لا
نهاية؛
ويعتادون
عادات تنقلب
إلى طباع
أصلية ككراهية
لحم الخنزير
والنبيذ
والموسيقى
وترتيب ما
يستنبط من
أفكار القسوة
والفجور في
الملذات».
ويقول
«جويليان» في
كتابه (تاريخ
فرنسا): «إن محمدًا
- مؤسس دين
المسلمين - قد
أمر أتباعه أن
يخضعوا
العالم، وأن
يبدلوا جميع
الأديان بدينه
هو، ما أعظم
الفرق بين
هؤلاء الوثنيين
والنصارى!! إن
هؤلاء العرب
قد فرضوا دينهم
بالقوة،
وقالوا للناس:
أسلموا أو
موتوا؛ بينما
أتباع المسيح
أراحوا
النفوس ببرهم
وإحسانهم؛
ماذا كان حال
العالم لو أن
العرب انتصروا
علينا؟ إذن
لكنا مسلمين
كالجزائرين
والمراكشيين».
وجاء
في كتاب (تقدم
التبشير
العالمي) الذي
ألفه الدكتور
(جلوور) ونشره
في نيويورك
سنة 1960م في
نهاية الباب
الرابع: «إن
سيف محمد والقرآن
أعدى عدو
وأكبر معاند
للحضارة والحرية
والحق. ومن
بين العوامل
الهدامة التي
اطلع عليها
العالم إلى
الآن» وقال:
«القرآن خليط عجيب
من الحقائق
والخرافات،
ومن الشرائع
والأساطير،
كما هو مزيج
غريب للأغلاط
التاريخية
والأوهام
الفاسدة،
وفوق ذلك هو
غامض جدًا لا
يمكن أن يفهمه
أحد إلا
بتفسير خاص له.
والذي يعتقده
المسلم أن
المعبود هو
الله الأحد
الصمد الذي لم
يلد ولم يولد؛
فالله ملك جبار
متسلط؛ ليست
له علاقة مع
خلقه ورعاياه
برغم أن
الإسلام يذكر
الرابطة
الموجودة
بينهما». ثم
ينتقد
«جلوور»
شخصية الرسول
–صلى الله
عليه وسلم-
فيقول: «كان
محمد حاكما
مطلقا، وكان
يعتقد أن من
حق الملك على
الشعب أن يتبع
هواه ويعمل ما
يشاء، وكان
مجبولاً على
هذه الفكرة،
فقد كان
عازمًا على أن
يقطع عنق كل
من لا يوافقه
في هواه. أما
جيشه العربي
فكان يتعطش
للتهديد
والتغلب وقد
أرشدهم
رسولهم أن يقتلوا
كل من يرفض
اتباعهم
ويبتعد عن
طريقهم».
ويعتقد
«سفاري» الذي –
ترجم القرآن
(سنة 1752م) –
: «إن محمدًا
قد لجأ إلى
السلطة
الإلهية لكي يدفع
الناس إلى
قبول هذه
العقيدة؛ ومن
هنا طالب
بالإيمان به
كرسول الله
صلى الله عليه
وسلم، وقد كان
هذا اعتقادا
مزيفًا أملته الحاجة
العقلية»(2).
وهذه
كلها
افتراءات
كاذبة
اخترعتها
قرائحهم
حقدًا وبغضًا
لشخصية النبي
–صلى الله
عليه وسلم-
الفذة، وما
ادعوه من أن
الإسلام
انتشر بالسيف
وهو دين
الإرهاب
والتطرف ليس
إلا فرية
ومَينًا
وللرد على هذه
الفرية يجب
علينا الرجوع
إلى مبدإ
الدعوة. فما
إن صدع النبي
–صلى الله
عليه وسلم-
بما أُمر من
تبليغ رسالة
النبوة
وعبادة الله
وحده، وبدأ
يدعو إلى الله
كل من توسم
فيه خيرًا؛
حتى عاداه أهل
مكة، وآذوه
أشد الإيذاء.
وعدد من
السعداء
الذين لبّوا
دعوته،
عُذّبوا سوء العذاب؛
حتى ضاقت
عليهم الأرض
بما رحبت.
وآوتهم
الحبشةُ
والمدينة
المنورة. فأي
سيف كان في مكة
يحمل الناس
على الدين
الحنيف؟ وأي
قوة كانت
تدفعهم إلى
العذاب
والنكال بعد
أن كانوا في
أهنإ عيشٍ؟
يشهد التاريخ
أن المسلمين
في مكة
استعذبوا
الأذى في سبيل
الله، وضحّوا
بكل ما لديهم
من غالٍ وثمين
في سبيل
بقائهم على الصراط
المستقيم.
واستقبلت
المدينة
النبي –صلى
الله عليه وسلم-
وأصحابه
الفقراء
المهاجرين
الذين أخرجوا من
ديارهم بغير
حق، برحابة
الصدر وبالغ
الحفاوة.
واستمرت
مؤامراتُ
قريش
واعتداءاتهم
ضد المسلمين.
فأُذن
للمسلمين بالجهاد
ودفعِ العداء
بالسيف.
وهذه
الغزوات لم
تكن قط لنشر
الإسلام في
العالم؛
وإنما هي
ضرورة
اضطُرَّ
إليها
المسلمون دفاعاً
عن عقيدتهم
ونفوسهم
والذب عن
أعراضهم
وصيانةً
لثغورهم،
وكذلك عقد
النبي –صلى الله
عليه وسلم- مع اليهود
اتفاقيات،
ولم يجبرهم
حتى بعد سيطرته
على جميع بلاد
العرب أن
يعتنقوا
الإسلام، إنما
دعاهم إلى
الإسلام
بالبراهين
القاطعة والدلائل
الواضحة حتى
عرفوه كما
يعرفون أبناءهم.
ولكنهم
كتموا الحق،
وأصرّوا على
معتقداتهم،
فتركهم النبي
–صلى الله
عليه وسلم-
وفرض عليهم
الجزية –
مال قليل تافه
–
حقنًا
للدماء،
ويترتب على
دفع الجزية
صيانةُ أهل
الكتاب
والدفاع عنهم.
وما
أكره النبي
–صلى الله
عليه وسلم-
الناسَ على
الدخول في دين
الله وهو في
أوج قوته؛
فاقرأ معي هذه
القصة
المعروفة في
كتب الحديث
والسيرة.
خرج
رسول الله
–صلى الله
عليه وسلم- في
غزوة ورجع
عنها في
الظهيرة، وكانت
أيام الصيف،
فأراد رسول
الله –صلى
الله عليه
وسلم- أن
يستريح، فنزل
تحت سمرة وعلق
بها سيفه،
وتفرق الناس،
ونام رسول
الله –صلى الله
عليه وسلم-،
إذ جاءه رجل
من المشركين
وسيف رسول
الله –صلى
الله عليه
وسلم- معلق
بالسمرة وهو
في غمده. فأخذ
المشرك
السيفَ،
وسلّه من غمده
واستيقظ رسول
الله –صلى
الله عليه وسلم-.
فقال المشرك –
والسيف مسلول
في يده –
لرسول الله
صلى الله عليه
وسلم: تخافني؟
قال: لا. قال
المشرك: من
يمنعك مني؟
قال رسول الله
–صلى الله
عليه وسلم-:
الله! فسقط
السيف من يد
المشرك.
فأخذ
رسول الله
–صلى الله
عليه وسلم-
السيف وقال
للمشرك: من
يمنعك مني؟
فقال: كن خير
آخذٍ! فقال
رسول الله
–صلى الله
عليه وسلم-:
أتشهد أن لا
إله إلا الله
وأني رسول
الله؟ قال
المشرك: لا؛
ولكني أعاهدك
على أن لا
أقاتلك ولا
أكون مع قوم
يقاتلونك.
فخلّٰى رسول
الله –صلى
الله عليه
وسلم-. فأتى
المشرك
أصحابه؛ فقال:
جئتكم من عند
خير الناس(3).
ولم
يرو التاريخُ
أن النبي –صلى
الله عليه وسلم-
أمر بقتل من
لم يدخل في
الإسلام.
فهذه
الحقائق تنطق
بأن ما ادعاه
المستشرقون،
كذبٌ باطل،
يرفضه تاريخُ
الإسلام كله،
ويفنده وجودُ
غير المسلمين
في الدول
الإسلامية،
ويكذبه ما
قدّمنا مما
يوضّح أن
الإسلام دين
الأمن
والسلام،
ويرد
عليه العددُ
الهائل من
الشبّان
والمثقفين الذين
يدخلون في دين
الله أفواجا
في أوربا
وأمريكا
وغيرها من
الدول
الراقية.
هكذا
يتم نور الله –
تعالى-، ولو
كره الكافرون.
* *
*
الهوامش:
(1) أحمد
حسن الزيات:
تاريخ الأدب
العربي، ص:378.
ومن القساوسة
المنتظمين في
السلك
الكنسي، فهم بمقتضى
مهنتهم أصحاب
مهماتٍ
تبشيرية بحتة.
(2) الدكتور
يحيى مراد:
افتراءات
المستشرقين
على الإسلام
والرد عليها –
مأخوذ من
دراسة
للدكتور/ عماد
الدين خليل – ص
279-280-281. ونفس
المقال موجود
في «الإسلام
والمستشرقون»
(ص105، 605) مجموعة
مقالات علمية
ألقيت في الندوة
العالمية
لمجمع دار
المصنفين
المنعقدة في
21، 22، 23/فبراير
عام 1982م).
(3) رواه
أبو يعلى
الموصلي في
مسنده، رقم
الحديث: 1763،
وكذلك روى ما
في معناه
البخاري
ومسلم وأحمد
وأبوعوانة.
* *
*
(*) أستاذ
بالجامعة
الإسلامية:
دارالعلوم
ديوبند.
E-mail: muf.ashraf@yahoo.com
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
جمادى الأخرى
1436 هـ = مارس – أبريل
2015م ، العدد : 6 ،
السنة : 39